responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 266
أَخْبَرْتُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: إِذا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ [الْعَادِيَاتِ: 9] وَثَالِثُهَا: رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ: مَا الْقارِعَةُ وَعَلَى قَوْلِ قُطْرُبٍ الْخَبَرُ. وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ فَإِنْ قِيلَ: إِذَا أَخْبَرْتَ عَنْ شَيْءٍ بِشَيْءٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَسْتَفِيدَ مِنْهُ عِلْمًا زَائِدًا، وَقَوْلُهُ: وَما أَدْراكَ يُفِيدُ كَوْنَهُ جَاهِلًا بِهِ فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَبَرًا؟ قُلْنَا: قَدْ حَصَلَ لَنَا بِهَذَا الْخَبَرِ عِلْمٌ زَائِدٌ، لِأَنَّا كُنَّا نَظُنُّ أَنَّهَا قَارِعَةٌ كَسَائِرِ الْقَوَارِعِ، فَبِهَذَا التَّجْهِيلِ عَلِمْنَا أَنَّهَا قَارِعَةٌ فَاقَتِ الْقَوَارِعَ فِي الْهَوْلِ وَالشِّدَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: مَعْنَاهُ لَا عِلْمَ لَكَ بِكُنْهِهَا، لِأَنَّهَا فِي الشِّدَّةِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُهَا وَهْمُ أَحَدٍ وَلَا فَهْمُهُ، وَكَيْفَمَا قَدَّرْتَهُ فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ تَقْدِيرِكَ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: قَوَارِعُ الدُّنْيَا فِي جَنْبِ تِلْكَ الْقَارِعَةِ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَوَارِعَ، وَنَارُ الدُّنْيَا فِي جَنْبِ نَارِ الْآخِرَةِ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَارٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ: نارٌ حامِيَةٌ [القارعة: 11] تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ نَارَ الدُّنْيَا فِي جَنْبِ تِلْكَ لَيْسَتْ بِحَامِيَةٍ، وَصَارَ آخِرُ السُّورَةِ مُطَابِقًا لأولها من هذا الوجه. فإن قيل: هاهنا قَالَ: وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ وَقَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ وَما أَدْراكَ مَا هِيَهْ [القارعة: 9، 10] وَلَمْ يَقُلْ: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هَاوِيَةٌ فَمَا الْفَرْقُ؟ قُلْنَا: الْفَرْقُ أَنَّ كَوْنَهَا قَارِعَةً أَمْرٌ مَحْسُوسٌ، أَمَّا كَوْنُهَا هَاوِيَةً فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَثَانِيهَا: أَنَّ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ إِلَّا بِإِخْبَارِ اللَّهِ وَبَيَانِهِ، لِأَنَّهُ بَحْثٌ عَنْ وُقُوعِ الْوَقَعَاتِ لَا عَنْ وُجُوبِ الْوَاجِبَاتِ، فَلَا يَكُونُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ دَلِيلٌ إِلَّا بِالسَّمْعِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [الْحَاقَّةِ: 1- 3] ثُمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ قَوْلُهُ: الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ أَشَدُّ مِنْ قَوْلِهِ: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ لِأَنَّ النَّازِلَ آخِرًا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ زِيَادَةُ التَّنْبِيهِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ أَقْوَى، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَعْنَى، فَالْحَاقَّةُ أَشَدُّ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إِلَى مَعْنَى الْعَدْلِ، وَالْقَارِعَةُ أَشَدُّ لِمَا أَنَّهَا تَهْجُمُ عَلَى القلوب بالأمر الهائل. ثم قال تعالى:

[سورة القارعة (101) : الآيات 4 الى 5]
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الظَّرْفُ نُصِبَ بِمُضْمَرٍ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَارِعَةُ، أَيْ تَقْرَعُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَذَا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ: كَوْنُ النَّاسِ فِيهِ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ قَالَ الزَّجَّاجُ: الْفَرَاشُ هُوَ الْحَيَوَانُ الَّذِي يَتَهَافَتُ فِي النَّارِ، وَسُمِّيَ فَرَاشًا لِتَفَرُّشِهِ وَانْتِشَارِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ/ تَعَالَى شَبَّهَ الْخَلْقَ وَقْتَ البعث هاهنا بِالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى بِالْجَرَادِ الْمُنْتَشِرِ. أَمَّا وَجْهُ التَّشْبِيهِ بِالْفَرَاشِ، فَلِأَنَّ الْفَرَاشَ إِذَا ثَارَ لَمْ يَتَّجِهْ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَذْهَبُ إِلَى غَيْرِ جِهَةِ الْأُخْرَى، يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا بُعِثُوا فَزِعُوا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَقَاصِدِ عَلَى جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ، وَالْمَبْثُوثُ الْمُفَرَّقُ، يُقَالُ: بَثَّهُ إِذَا فَرَّقَهُ. وَأَمَّا وَجْهُ التَّشْبِيهِ بِالْجَرَادِ فَهُوَ فِي الْكَثْرَةِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كَغَوْغَاءِ الْجَرَادِ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَبِالْجُمْلَةِ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَبَّهَ النَّاسَ فِي وَقْتِ الْبَعْثِ بِالْجَرَادِ الْمُنْتَشِرِ، وَبِالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا بُعِثُوا يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ كَالْجَرَادِ والفراش، ويأكد مَا ذَكَرْنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَأْتُونَ أَفْواجاً [النَّبَأِ: 18] وَقَوْلِهِ: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الْمُطَفِّفِينَ: 6] وَقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ: وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الْكَهْفِ: 99] فَإِنْ قِيلَ: الجراد

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 266
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست